منتدى فضاء العلم والفنون والإبداع ...


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى فضاء العلم والفنون والإبداع ...
منتدى فضاء العلم والفنون والإبداع ...
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الهوية الثقافية للمجتمع العربي

اذهب الى الأسفل

 الهوية الثقافية للمجتمع العربي Empty الهوية الثقافية للمجتمع العربي

مُساهمة  محمد مفتاحي الثلاثاء أكتوبر 08, 2013 1:42 am

جامعة بنها
   كلية التربية
قسم أصول التربية



دور التربية في الحفاظ على الهوية الثقافية للمجتمع العربي

إعداد
د/ هاني محمد يونس موسى
مدرس أصول التربية
كلية التربية – جامعة بنها


دور التربية في الحفاظ على
الهوية الثقافية للمجتمع العربي
                                                                                 د/ هاني محمد يونس موسى

محاور الدراسة     
1- ما المقصود بالهوية الثقافية ؟ وما مكوناتها ؟                      
2- ما عوامل  أزمة الهوية الثقافية في المجتمع العربي ؟ وما مظاهرها ؟                                                                                                                    
3 - ما إسهامات التربية في الحفاظ علي الهوية الثقافية في المجتمع العربي ؟
أهمية الدراسة :  
1- يعد الكشف عن ملامح ومنابع الهوية الثقافية العربية والإسلامية وترسيخ محتوياتها أمرا لابد منه ؛ للحفاظ علي هذه الهوية التي تتمتع بسمات تميزها عن غيرها .                                                              
2-ربما تسهم هذه الدراسة في لفت نظر المعنيين بشئون المجتمع ، وتقديم مقترحات لهم؛ لبناء استراتيجية عربية تساعد في تعزيز الهوية الثقافية والحفاظ عليها ؛ من خلال وضع تصور لدور التربية والتعليم في مواجهة تداعيات التحولات العالمية على الهوية الثقافية .                                                                
أهداف الدراسة :
1-العمل على تأصيل الهوية الثقافية بما يتفق مع ثقافة المجتمع، بحيث يؤدى ذلك إلى تجاوز التحديات التي تضعف تلك الهوية0
2- تنمية الوعي بالهوية الثقافية وأهميتها لدي الشباب العربي .                                                                                        
3- إبراز دور التعليم في تدعيم الهوية الثقافية والحفاظ عليها ؛ من خلال تقديم بعض المقترحات  والإجراءات حول ذلك .    
4- توجيه أنظار المعنيين بالتربية والتعليم لأهمية دور الثقافة في تنمية الهوية الثقافية وتعميق الانتماء .  
5- تحديد المهام والإجراءات المنوطة بالتعليم في تعزيز الهوية الثقافية   0


منهج الدراسة :
اعتمد الباحث علي المنهج الوصفي في رصد أبرز ملامح الهوية الثقافية ، وتحليل العوامل التي ربما تكون مسئولة عن أزمة الهوية الثقافية في المجتمع العربي ، والوقوف علي أبرز مظاهر هذه الأزمة في إطار من التفسير والتحليل، ثم التنبؤ بالدور الذي يمكن أن تسهم به التربية والتعليم في تدعيم والحفاظ علي الهوية الثقافية للمجتمع العربي .                                        
مصطلحات الدراسة  :

الهوية الثقافية
     ويقصد بها هنا :  مجموعة السمات والخصائص التي تنفرد بها الشخصية العربية وتجعلها متميزة عن غيرها من الهويات الثقافية الأخري ، وتتمثل تلك الخصائص في اللغة والدين والتاريخ والتراث والعادات والتقليد والأعراف وغيرها من المكونات الثقافية ذات السمة العربية والإسلامية .

خطوات الدراسة :
سارت الدراسة طبقا للخطوات التالية :                                                                                                  أولا : مفهوم الهوية الثقافية .                                                                    
ثانيا : ملامح الهوية الثقافية العربية  .                                                  
ثالثا : العوامل التي أدت إلي أزمة الهوية الثقافية في المجتمع العربي .                                
رابعا : مظاهر أزمة الهوية الثقافية في المجتمع العربي  .                                                                                                                                                                                                                                                                                                           خامسا : دور التربية في الحفاظ علي الهوية الثقافية في المجتمع العربي .
أولا : مفهوم الهوية الثقافية
بدون هوية اجتماعية  وثقافية يغترب الأفراد عن بيئاتهم الاجتماعية والثقافية، بل وعن أنفسهم تماما ، وبدون تحديد واضح للآخر لا يمكنهم تحديد هوياتهم الاجتماعية والثقافية  ، ويشير " برهان غليون " إلي أنه " لا تستطيع الجماعة أو الفرد إنجاز مشروع مهما كان نوعه أو حجمه ، دون أن تعرف نفسها وتحدد مكانها ودورها وشرعية وجودها كجماعة متميزة ، فقبل أن تنهض لابد لها أن تكون ذاتا ". (31)                                                                                            

          ومن الملاحظ أن الكتابات العربية والأجنبية تزخر بالكثير من البحوث والدراسات التي تناولت موضوع الهوية ،مما قد يوقع الباحث في نوع من اللبس عند تناول هذا الموضوع بالبحث ، وتأتي المعضلة من صعوبة إيجاد تعريف محدد لمفهوم الهوية ، بسبب تعدد المدارس الفكرية التي تناولت الموضوع ، بالإضافة إلي سعته وشموليته ، حيث تشارك في تكوينه متغيرات متعددة ، وخاصة المتغيرات المجتمعية التي تطرأ وتؤثر في الفكر ، فالهوية مفهوم له دلالته اللغوية واستخداماته الفلسفية والاجتماعية والنفسية والثقافية.
                                                                   
وبالنسبة لمفهوم " الهوية " في اللغة نجد أن المعجم الوسيط أشار إلي أن "الهوية في الفلسفة حقيقة الشئ أو الشخص التي تميزه عن غيره ، أو هي بطاقة يثبت فيها اسم الشخص وجنسيته ومولده وعمله ، وتسمي البطاقة الشخصية أيضا"(32).                                                                        
أما في اللغة الإنجليزية فتعني تماثل المقومات أو الصفات الأساسية في حالات مختلفة وظروف متباينة ، وبذلك تشير إلي الشكل التجميعي أو الكل المركب لمجموعة من الصفات التي تكون الحقيقة الموضوعية لشئ ما ، والتي بواسطتها يمكن معرفة هذا الشئ وغيره علي وجه التحديد(33) 0
     وبناء علي ذلك استخدم اللفظ ليدل علي الإحساس العميق والمتواصل للإنسان بنفسه وماضيه وحاضره ومستقبله والمستمد من مشاعره ومعتقداته وأفكاره .    
أما عن آراء المفكرين حول مفهوم الهوية فيلاحظ أن الأمر لا يختلف كثيرا ، وإن كان يتصف بأنه أكثر تحديدا ؛ لأنه يرتبط بالبعد الثقافي أو الاجتماعي للمصطلح                                 فقد عرف "سعيد إسماعيل علي " الهوية بأنها " جملة المعالم المميزة للشئ التي تجعله هو هو، بحيث لا تخطئ في تمييزه عن غيره من الأشياء ، ولكل منا - كإنسان - شخصيته المميزة له ، فله نسقه القيمي ومعتقداته وعاداته السلوكية و ميوله واتجاهاته وثقافته ، وهكذا الشأن بالنسبة للأمم والشعوب" (34) 0
كما أشار "محمد عمارة " إلي " أن هوية الشئ ثوابته التي لا تتجدد ولا تتغير ، وتتجلي وتفصح عن ذاتها دون أن تخلي مكانتها لنقيضها طالما بقيت الذات علي قيد الحياة ، فهي كالبصمة بالنسبة للإنسان يتميز بها عن غيره وتتجدد فاعليتها، ويتجلي وجهها كلما أزيلت من فوقها طوارئ الطمس ، إنها الشفرة التي يمكن للفرد عن طريقها أن يعرف نفسه في علاقته بالجماعة الاجتماعية التي ينتمي إليها ، والتي عن طريقها يتعرف عليه الآخرون باعتباره منتميا لتلك الجماعة" (35) 0
ويرى " محمود أمين العالم " أن " الهوية ليست أحادية البنية ، أي لا تتشكل من عنصر واحد ، سواء كان الدين أو اللغة أو العرق أو الثقافة أو الوجدان والأخلاق ، أو الخبرة الذاتية أو العلمية وحدها ، وإنما هي محصلة تفاعل هذه العناصر كلها  (36)0
وأشار أحد الباحثين إلى أن الهوية " مفهوم اجتماعي نفسي يشير إلي كيفية إدراك شعب ما لذاته ، وكيفية تمايزه عن الآخرين ، وهي تستند إلي مسلمات ثقافية عامة ، مرتبطة تاريخيا بقيمة اجتماعية وسياسية واقتصادية للمجتمع" (37)
كما أن الهوية ترتبط بالانتماء ، فقد عرفها البعض بأنها " مجموعة من السمات الثقافية التي تتصف بها جماعة من الناس في فترة زمنية معينة ، والتي تولد الإحساس لدي الأفراد بالانتماء لشعب معين ، والارتباط بوطن معين ، والتعبير عن مشاعر الاعتزاز، والفخر بالشعب الذي ينتمي إليه هؤلاء الأفراد"(38).    
ومن المفاهيم التي قدمت للهوية الثقافية ما تبنته منظمة اليونسكو والذي ينص علي أن الهوية الثقافية تعني أولا وقبل كل شئ أننا أفراد ننتمي إلي جماعة لغوية محلية أو إقليمية أو وطنية ، بما لها من قيم أخلاقية وجمالية تميزها ، ويتضمن ذلك أيضا الأسلوب الذي نستوعب به تاريخ الجماعة وتقاليدها وعاداتها وأسلوب حياتها ، وإحساسنا بالخضوع له والمشاركة فيه ، أو تشكيل قدر مشترك منه ، وتعني الطريقة التي تظهر فيها أنفسنا في ذات كلية ، وتعد بالنسبة لكل فرد منا نوعا من المعادلة الأساسية التي تقرر- بطريقة إيجابية أو سلبية- الطريقة التي ننتسب بها إلي جماعتنا والعالم بصفة عامة "(39)  0
       وذكرت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم أن الهوية الثقافية هي " النواة الحية للشخصية الفردية والجماعية ، والعامل الذي يحدد السلوك ونوع القرارات والأفعال الأصيلة للفرد والجماعة ، والعنصر المحرك الذي يسمح للأمة بمتابعة التطور والإبداع ،مع الاحتفاظ بمكوناتها الثقافية الخاصة وميزاتها الجماعية ، التي تحددت بفعل التاريخ الطويل واللغة القومية والسيكولوجية المشتركة وطموح الغد " (40)0
      ويتقارب مفهوم الهوية في الغرب من مفهومها لدي العرب ، فقد عرفها بعض الغربيين بأنها " تعبر عن الشعور بمجموعة من السمات الثقافية للجماعة ، والميل إلي ربط الشخص بالبيئة الاجتماعية التي ينتمي لها ، وبالتالي تميزه عن غيره من الجماعات والمجتمعات الأخري " (41) 0
     وهذا معناه أن كل ثقافة تتميز عن غيرها من الثقافات الأخري من حيث طبيعة الشخصية ، وطريقة الفهم وأساليب الاتصال وخاصة اللغة ، والأشكال المختلفة للسلوك ، وأساليب الحياة التي ينتجونها ، بالإضافة إلي المعايير والقيم والعلاقات الاجتماعية التي تربط بين أفرادها (42) .                                                                                                  
كما تشير الهوية أيضا إلي أن هوية الشخص تعني صفاته الجوهرية التي تميزه عن غيره ، وقد شبهوها بالبصمة(43)، كما ذهبت بعض التعريفات إلي أن الهوية الاجتماعية هي " تلك السمات الخاصة بمفهوم الذات الفردية في ضوء أسس ومرتكزات لجماعتهم الاجتماعية ،                    وعضويتهم الطبقية معا ، ومع ارتباطاتهم العاطفية والتقييمية وغيرها من الارتباطات السلوكية ؛ التي تربطهم بهذه الجماعة مؤكدة ، انتماءاتهم إليها"(44)0
     وهذا التعريف يوضح العلاقة بين الانتماء وبين الهوية ، حيث إن كلا منهما يؤثر في الآخر ويتأثر به ، فالإنسان عندما يعرف أن هويته ترتبط بهوية المجتمع الذي يوجد فيه ، فإن هذا يجعله يتمسك ويرتبط بمجتمعه .
إذن يمكن أن نخلص من ذلك بالآتي :  
• أنه يصعب أن نجد تعريفا جامعا مانعا للهوية الثقافية 0
• أن الهوية تختلف من مجتمع لآخر ومن عصر لعصر 0
• أن الهوية تختلف باختلاف التوجهات الفكرية والأيديولوجية .
• أن الهوية الثقافية  تتكون من مزيج من اللغة  والدين و التاريخ  و ثقافة المجتمع ، وهذا معناه أن  الهوية يكون لها خصوصيتها المستمدة من ثقافة المجتمع وتصقلها تاريخه   وحضارته0    
• أن هناك ثلاث مستويات للهوية تتمثل في : الهوية الفردية وهي علي مستوي الفرد ، والهوية الجماعية وهي التي تكون علي مستوي الجماعة التي يوجد فيها الفرد ،والهوية الوطنية والقومية ، وهي التي تشمل  المجتمع كله ، وهذا معناه أن الهوية الثقافية لأي فرد لا تكون كاملة 0
• أن الهوية الثقافية  تتكون في ضوء   ثلاثة عناصر رئيسة هي: الوطن والأمة والدولة .  
• أنه لا يوجد تعارض بين وجود هوية لكل مجتمع وبين التفاعل مع متغيرات العصر 0
• أن من مظاهر ضعف الهوية عندما يؤدي الإعجاب بالعلم والتقدم إلي الإعجاب بمن أبدعوه، فيسيرون وراءهم ويتبعون خصوصياتهم الثقافية ،  وهذا يقودنا إلي ضرورة التعرف على مكونات الهوية الثقافية 0                                                                                                                                                                                                                                                                                          
       وفي ضوء ذلك يمكن تعريف الهوية الثقافية العربية الإسلامية بأنها  مجموعة السمات والخصائص التي تنفرد بها الشخصية العربية ، وتجعلها متميزة عن غيرها من الهويات الثقافية الأخري ، وتتمثل تلك الخصائص في اللغة والدين والعادات والتقليد والأعراف وغيرها من المكونات الثقافية ذات السمة العربية والإسلامية .                                          
                                                                                           
ثانيا : مكونات الهوية الثقافية في المجتمع العربي
تستمد الهوية الثقافية مقوماتها من عناصر راسخة شكلتها ثوابت جغرافية تعكس هذا الامتداد الجغرافي دون عوائق طبيعية من المحيط إلي الخليج ، ومتغيرات تاريخية يتيح الرجوع إليها فهما أعمق للمستقبل وتطلعات نحو المستقبل ؛ تكاد تكون قاسما مشتركا بين أبناء أمة واحدة ، وتراثًا مركباً ؛ قاعدته الراسخة قوة الاعتقاد ووسطية في السلوك ، تترجم معاني التسامح رغم التباين في الأعراق والأنساب والمعتقدات ، ولغة عربية هي بوتقة الانصهار الفكري والوجداني لأمة عربية واحدة .(45)  
     إذن فهذا معناه أن الهوية الثقافية العربية تتكون من عدة عناصر مرتبطة ببعضها ، وأي خلل في أحدها يؤدي إلي خلل في باقي مكوناتها، ومن أبرز هذه المكونات :

1-اللغـة :  
       تعد اللغة هي المكون الأول والرئيس في الهوية الثقافية ، فهي حياة الأمة وهي بدايتها ونهايتها ، لأن اللغة في أي مجتمع ليست مجرد كلمات وألفاظ للتفاهم بين أفراد المجتمع ، ولكنها وعاء يحوي مكونات عقلية ووجدانية ومعتقدات وخصوصيات هذا المجتمع ، وبالتالي فالحفاظ علي اللغة يعني ضمان بقاء واستمرارية أي مجتمع .
فاللغة جزء لا يتجزأ من ماهية الفرد وهويته ، كما أنها تتغلغل في الكيان الاجتماعي والحضاري لأي مجتمع بشري ، وتنفذ إلي جميع نواحي الحياة فيه ؛ لأنها من أهم مقومات وحدة الشعوب ، وقد أشارت منظمة اليونسكو على لسان مديرها إلى أهمية الحفاظ على اللغات الخاصة بالمجتمعات حيث قال :
إن  " اللغات هي من المقومات الجوهرية لهوية الأفراد والجماعات،  وعنصر أساسي في تعايشهم السلمي ،  كما أنها عامل ‏استراتيجي للتقدم نحو التنمية المستدامة، وللربط السلس بين القضايا العالمية والقضايا المحلية... تعدد اللغات عن بصيرة هو ‏الوسيلة الوحيدة التي تضمن لجميع اللغات إيجاد متسع لها في عالمنا الذي تسوده العولمة ، لذلك تدعو اليونسكو الحكومات وهيئات الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات التعليمية والجمعيات ‏المهنية وجميع الجهات المعنية الأخرى إلى مضاعفة أنشطتها الرامية إلى ضمان احترام وتعزيز وحماية جميع اللغات، ولا ‏سيما اللغات المهددة، وذلك في جميع مجالات الحياة الفردية والجماعية " (46)

ولغتنا العربية من الركائز الأساسية للوجود العربي ، فالوحدة اللغوية والثقافية بين البلاد العربية لا تتم إلا بالمحافظة علي اللغة العربية التي تؤدي إلي وحدة الشعور والفكر (47) ، كما كانت اللغة العربية هي الجسر الذي عبر عليه العرب والمسلمون جيلا بعدا آخر لتحقيق التواصل ، ولهذا كانت اللغة العربية ومازالت جوهر الهوية الثقافية ، فهي لغة القرآن ، كما أنها لغة ثرية في محتواها ومفرداتها ، وقد حافظت اللغة العربية علي استمرارية الأمة العربية.                              
ومن المؤكد أن إتقان اللغة العربية يساعد علي الانسجام والتناغم بين أفراد المجتمع ، بل والاعتزاز بهويتهم ؛ لأن أبناء اللغة الواحدة يشكلون قوالب فكرية وثقافية مشتركة ، لذا فاللغة والثقافة تسهم مساهمة فعالة في الحفاظ علي الهوية الثقافية العربية والإسلامية . (48)                                                

      إذن فالعلاقة بين اللغة وبين الهوية الثقافية علاقة قوية لا تنفصم ، ولهذا كان من أهم مقاييس رقي الأمم مقدار عنايتها بلغتها تعليما ونشرا وتيسيرا لصعوباتها(49)، ونظرا للأهمية القصوى للغة العربية ، وكونها عنصرا رئيسا من عناصر الهوية الثقافية ، تعرضت لحملات كثيرة للقضاء عليها ؛ بغرض القضاء علي الهوية الثقافية ، وقد أشار "العقاد"  إلي تلك الحملات بقوله" الحملة علي لغتنا الفصحى حملة علي كل شئ يعنينا ، وعلي كل تقليد من التقاليد الاجتماعية والدينية ، وعلي اللسان والفكر والضمير في ضربة واحدة ؛ لأن زوال اللغة في أكثر الأمم يبقيها بجميع مقوماتها غير ألفاظها ، ولكن زوال اللغة العربية لا يبقي للعربي المسلم قواما يميزه في سائر الأمم ، ولا يعصمه أن يذوب في غمار الأمم ، فلا تبقي له باقية" (50)0
وقد يكون من أهم العوامل التي أدت إلي انخفاض مستوي الأداء اللغوي لدي الطلاب المعلمين ، هو اقتصار الاهتمام باللغة العربية علي المتخصصين فيها , وقد أشار " أحمد المهدي عبد الحليم " إلي خطورة اقتصار العناية بتعليم اللغة العربية علي مدرسيها ، وأن هذا يتناقض مع ما نادي به المفكرون والتربويون من أن كل معلم يجب أن يكون معلما للغة في نطاق المادة التي يدرسها . (51)  

     ويأتي الواقع اللغوي في التعليم العالي والجامعي كامتداد للقصور الذي تتعرض له اللغة العربية في التعليم العام ، حيث نجد أن تعليم اللغة العربية توقف في بعض الجامعات وفقا لافتراض خطأ هو :أن التعليم الجامعي مرحلة يعني فيها بتعليم التخصصات الدقيقة في فروع العلوم المختلفة ، لكن بعض الجامعات حاولت إلزام طلاب المستوي الأول في الجامعة بدراسة مقرر في اللغة العربية ، وهذا المقرر – غالبا – يطبق في إطار أن اللغة أشكال لغوية ,وأن الهدف منه تمكين الطلاب من هذه الضوابط اللغوية الشكلية (52)  0

         وفي ظل العولمة ازداد ما تتعرض له اللغة العربية من محاولات تذويبها والقضاء عليها ، حتى صار الشباب يتفاخر بتناقل الألفاظ والمصطلحات بلغات أجنبية ، وصارت أسماء المحال التجارية تكتب باللغات الأجنبية ، وغيرها من السلوكيات التي تنبئ بخطورة الأمر ، خاصة في ظل الانفتاح الإعلامي والثورة الهائلة في علم الاتصالات ، ولكن ستبقي اللغة العربية ما بقي القرآن الكريم الذي تعهد الله بحفظه " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " (53)  0
2–الديـن :  
تستمد الهوية الثقافية العربية مقوماتها من الدين الإسلامي الذي يدعو إلي الحق ويتخذ من الإنسان موضوعا له ، فالخطاب القرآني موجه للناس جميعا .                                                فالدين هو المكون الأول لهويتنا الثقافية ، لأنه هو الذي يحدد للأمة فلسفتها الأساسية عن سر الحياة وغاية الوجود ، كما يجيب عن الأسئلة الخالدة التي فرضت نفسها علي الإنسان في كل زمان ومكان ، فالإسلام له تأثيره العميق والشامل في هويتنا الثقافية ، كما أن التوحيد بمعناه الشامل يمثل أبرز ملامح هويتنا الثقافية ، والتدين هنا لا يعني ممارسة الشعائر الدينية وحدها، بل هو موقف من ثوابت كثيرة ، منها ما يرتبط بالأسرة وكيفية تكوينها بشكل صحيح ، فهذا مكون رئيسي من مكونات الهوية الثقافية ، ومنها ما يرتبط بالمنهج العلمي الذي اعتمد علي العقل والوحي بشكل متوازن ، وهذا  يمثل أيضا ملمحا من ملامح هويتنا الثقافية . (54)  

      إذن لا يمكن تصور وجود للهوية الثقافية العربية إلا بوجود الدين الإسلامي باعتباره سمة مميزة للمجتمعات العربية والإسلامية ، وأداة المسلمين لمقاومة الاغتراب الثقافي ، وبالتالي فأي هجوم علي الإسلام هو بمثابة محاولة استلاب للهوية الثقافية والحضارية للأمة العربية.(55)  
      وقد أشار كثير من مفكري وفلاسفة الغرب إلي أهمية العناية بالجانب الديني قبل أية جوانب أخري ، فمثلا يقول " وليم جيمس " : " الإيمان بالله هو الذي يجعل للحياة قيمة ، وهو الذي يمكننا من أن نستخرج من  الحياة كل ما فيها من لذة وسعادة ، وهو الذي يجعلنا نتحمل كل ما في الحياة من محن ،ونتقبلها بكثير من الشجاعة والرضا ، وهو الذي يهيئ لنا كل ما هو ضرورة لحياة وادعة "(56)  0
3- التاريخ :
       لا يمكن لأية أمة أن تشعر بوجودها بين الأمم إلا عن طريق تاريخها ؛ الذي يمثل أحد قسمات هويتها ، فالتاريخ هو السجل الثابت لماضي الأمة وديوان مفاخرها وذكرياتها ، وهو آمالها وأمانيها ، بل هو الذي يميز الجماعات البشرية بعضها عن بعض ، فكل الذين يشتركون في ماض واحد يعتزون ويفخرون بمآثره يكونون أبناء أمة واحدة ، فالتاريخ المشترك عنصر مهم من عناصر المحافظة علي الهوية الثقافية (57)،  وعلى  ذلك يكون طمس تاريخ الأمة أو تشويهه أو الالتفاف عليه هو أحد الوسائل الناجحة لإخفاء هويتها أو تهميشها.  
وهذا معناه أننا الآن بحاجة إلي نهضة فكرية  وثقافية لمحاربة الأساليب الجديدة التي تعمل علي محو ذاكرة التاريخ ، مثل ما يسمي بمشروع الشرق الأوسط الجديد ، وما يعنيه من محاولات إحداث تغييرات في الهيكل التنظيمي للمنطقة العربية ، الأمر الذي يؤدي إلي تقويض إمكانية بناء نظام عربي جديد (58)، ولعل هذا التاريخ المجيد هو الذي يكمن وراء محاولات الغرب طمس معالم الهوية العربية والإسلامية ،  ومن الأهمية أن يتوفر للعرب وعي علمي بتاريخ مجتمعهم ا لعربي وتطوره ودينامياته ، وقوانينه النوعية ، مما يعينهم علي تأصيل هويتهم ، ومعرفة الملابسات التاريخية لحدودها.(59)
ولهذا لابد من الاهتمام بتطوير مناهج تعليم التاريخ العربي والإسلامي ، فبدلا من أن تركز بشكل رئيس علي عرض التاريخ في شكل حروب وصراعات وخلافات ، فلابد من الاهتمام بعصور السلام والازدهار والرقي والتطورات الاجتماعية التي أحدثها الإسلام في البلاد التي دخلها ، وأنارها بنوره ، والحديث عن تأثير كبار المفكرين والفلاسفة العرب والمسلمين مثل ابن رشد ، وابن سينا ، والفارابي ، وابن النفيس ، وغيرهم كثير ممن أثروا الحياة الفكرية وأسهموا في إحداث التقدم والازدهار الحضاري للمجتمع العربي والإسلامي ، بالإضافة إلي الإشارة لدور المرأة في المجتمعات الإسلامية عبر العصور المختلفة . (60)  فكل هذا يمكن أن يسهم بدور كبير في تأصيل الهوية الثقافية العربية والإسلامية ،بل والمحافظة عليها  من الأخطار التي تواجه المجتمعات العربية والإسلامية ، خاصة وأننا في عصر العولمة التي يمكن أن تكون أحد العوامل التي أدت إلي حدوث أزمة في الهوية الثقافية العربية 0 فما أسباب هذه الأزمة ؟ وما مظاهرها ؟

ثالثا :  أزمة الهوية الثقافية في المجتمع العربي  
      تمتلك الهوية الثقافة العربية الإسلامية مجموعة من العناصر التي تجعلها متميزة عن غيرها من الهويات الأخري ، بل لا تتوفر هذه العناصر لهويات أخري ،ومن أبرز تلك العناصر اللغة ، والدين، والتاريخ ، ولكن تعرضت الهوية الثقافية العربية لأزمة ، ومما ساعد علي اتساع هذه الأزمة جمود الثقافات لدي الشعوب العربية ، وفقدان حيويتها وفعاليتها، وتجاهل المجتمعات العربية ضرورة تجديد ثقافتها ، وتأهلها للحوار والتفاعل مع الثقافات الأخري ، بالإضافة إلي أن الثورة المعلوماتية اختصت بمجتمعات بعينها ، وعند انتقال تأثيرات هذه الثورة إلي المجتمعات العربية  انتقلت معها ثقافة مجتمعاتها وأنماط معيشتها وسلوكياتهم ، الأمر الذي نتج عنه تبعية ثقافية وسياسية واقتصادية ، نظرا لعدم التكافؤ بين المجتمعات القوية وبين المجتمعات الضعيفة .(61)
وهذا هو حال الأمم الضعيفة التي لا تملك حاضرا موصولا بماضيها ، وهنا تسلك أحد طريقين : إما أن تفزع  نحو ماضيها متمسكة به ، وداعية إلي ممارسة الحياة علي أساس منه ، وإما استعارة حاضر غيرها وممارسة الحياة علي أساس منه ، وعندئذ يبدأ الصراع بين القديم وبين الجديد ، بل سيحاول البعض البحث عن سند للجديد من القديم ، وهذا التوفيق قد يخفف من حدة الصراع ، ولكن لن يكسب الأمة حاضرا تصنعه هي ، بل ستظل تستعير حاضر غيرها وتبني له أساسا واهيا من تراثها ، وهذا هو مركز الأزمة التي تعانيها الهوية الثقافية العربية (62) 0
وقد أشار " محمد حسنين هيكل " إلي واقع أزمة الهوية حين قال : إن " العالم العربي فقد الإحساس بهويته ، وتملكته نزعات القبائل المتحاربة ، ونتيجة ذلك فقد ضاع منه جامعه المشترك ، ومواقفه المشتركة ، وهدفه المشترك " (63) ،                                                                                                الأمر الذي أدي إلي ما نراه اليوم من تفكك وضعف وتخلف في المجتمعات العربية ، لدرجة أنها لم تعد تتخذ قرارا واحدا فيه اتفاق إلا علي ألا يتفقوا ؛ مما جعلهم مطعما للآخرين ، ولم يعد لهم تأثير يذكر علي الساحة الدولية ، هذا ما نراه واضحا في كثير من القضايا التي تهم العرب والمسلمين ، ومن أبرز هذه القضايا قضية فلسطين، والحصار المستمر ،  والعدوان المستمر علي الفلسطينيين دون أن يتحرك العرب أو الأمم المتحدة ، لا لشئ إلا لأن العرب لا وزن لهم علي الساحة الدولية ،  ولذلك لابد من ملاحظة أن سؤال الهوية يطرح نفسه بشدة مع النقلة النوعية للمجتمع الإنساني صوب المعلومات والمعرفة ، وبالنسبة لنا كعرب يجب تناول الهوية لا بدافع سلمي من منطلق رد الفعل ، بل كمطلب أساس لكل المجتمعات العربية للحاق بالركب المعلوماتي (64) ، وهذه الأزمة التي تعرضت لها الهوية الثقافية العربية لم تأت من فراغ بل نتيجة مجموعة من العوامل ، من أبرزها :  
1- التبعية الثقافية  :
إن التبعية ليست وليدة اليوم بل هي نتاج محاولات متكررة عبر سنوات طويلة ، حيث كان المستعمر الأوربي يهدف إلي القضاء علي الرموز الأساسية للثقافات ، وخاصة الثقافة العربية بما تملكه من ميراث ضخم ، وذلك بإحداث تغييرات التنظيم الاجتماعي بما يملكه من مجالات متعددة ، وتمثلت أبرز هذه التغييرات  في محاولة إقناع البلاد العربية بأن الحل الوحيد لانتشالهم من التخلف هو اتباع النمط الأوربي بكل ما فيه ، للوصول إلي التقدم، فكانت النتيجة هي الوقوع والسقوط في بئر التبعية للغرب ولثقافته ، ووقوع مفكرينا في حيرة من أمرهم ، هل يتبعون الغرب ؟ أم يعتمد ون علي التراث ؟ وكانت النتيجة هي أزمة في الفكر تبعتها أزمة في الهوية الثقافية ،  وقد أشار " سعيد إسماعيل علي " إلي أن من أبرز

عناصر التبعية الثقافية :  
1- عملية الإنتاج الثقافي التي تشوه الثقافة الوطنية ، وتدفع إلي التأقلم والتعايش مع واقع
      التبعية .                                                              
2- مشاركة الشركات الاحتكارية في نشر الفكر التجاري الاستهلاكي وإنتاج ثقافة التبعية .                                                                      3- نشر أجهزة الأنشطة الثقافية لمجموعة من القناعات والمبادئ والقيم التي تدفع  إلي تقبل التنمية الرأسمالية الغربية ، وتبرزها وكأنها ملائمة لواقعنا ، بل وإلي الاقتناع بأن الاستعانة بالخبـرات والمساعـدات الغربية( المالية والتكنولوجية ) هي شروط ارتكازية لتجاوز التخلف .(65)                                                                                                                                                                                                                                                              

      وتجسدت التبعية التربوية في إحلال قيم وعادات جديدة محل القيم والعادات الإسلامية والعربية ، والعمل علي تشويه التاريخ العربي والإسلامي ، بل والعمل علي إضعاف اللغة العربية والنيل منها ، فهل نحن قادرون علي مقاومة  والتخلص من هذه التبعية ؟ ، الحقيقة أن هذا أمر يحتاج إلي مجهود كبير لمواجهتها ؛ ولذلك وجدنا أحد الباحثين المصريين يشير إلي أننا غير قادرين إلا علي التبعية ، لأننا لسنا أصحاب هوية متميزة ، لأن الهوية الثقافية التي كانت تميز القومية المصرية قد حيل بينهما ، وقدمت إلينا تربية لا يمكن أن تخرج إلا تلك النوعية من الأجيال التي تمارس التبعية الثقافية . (66)

2- العولمة الثقافية :
    يعد البعد الثقافي والاجتماعي للعولمة من أخطر أبعادها ، فهي تعني إشاعة قيم ومبادئ ومعايير ثقافة واحدة ، وإحلالها محل الثقافات الأخري ؛ مما يعني تلاشي القيم والثقافات القومية ، وإحلال القيم الثقافية للبلاد الأكثر تقدما محلها ، وخاصة أمريكا وأوربا ، الأمر الذي ينعكس علي الهوية الثقافية العربية .                                                                                    

       وهكذا بات واضحا أن مخاطر العولمة تمس بشكل مباشر ميدان الثقافة والحضارة ، بل يمكن أن تتجه نحو صراع الحضارات ، فالسعي إلي فرض هيمنة ثقافة واحدة تكون نتيجته إما انتهاء الثقافة الأضعف و ذوبانها ، أو تقوقعها حول نفسها ، أو تفجيرها وتفتيتها لصالح جماعات داخلية أو خارجية ، الأمر الذي أدي إلي انقسامات عرقية وطائفية ، ثم صراع الثقافات في النهاية ، وبالتالي التأثير سلبيا علي الهوية الثقافية للمجتمع . (67)                                                                                          
ومن المعلوم أن للقيم جانبين : قيم المحور المتمثلة في القيم الدينية التي تعد ثوابت مميزة لهوية المجتمع العربي والإسلامي، وقيم وسيلية تتمثل في قيم التفاعل الحضاري ، وتتمثل خطورة العولمة في محاولة التأثير في قيم المحور ، وذلك من خلال نشر الفكر الغربي الذي يعمل علي تغيير لكل القيم الثابتة ، ومحاولة إقناع أن الذي يتمسك بقيمه إنما يتعارض مع التقدم العلمي والفكري ونهضة العقل ، الأمر الذي أدي إلي تفاقم الشعور بالاغتراب لدي الشباب، ووقوعهم في أزمة حضارية ، وفي صراع بين ثقافتين متعارضتين في وقت واحد ، إحداهما خارج النفس والأخرى مدسوسة في ثناياها ، فتري حضارة العصر في البيوت والشوارع ، بينما تجد حضارة الماضي رابضة خلف الضلوع (68) ، لدرجة أن هؤلاء الشباب من شدة تعلقهم بالحضارة الغربية والحلم بالعيش في محيطها صاروا يعانون حالة من الاغتراب الثقافي ، فهم وإن كانوا يعيشون علي أرضنا إلا أن وجداناتهم وعقولهم مهاجرة مغتربة قيميا وفكريا (69) 0                                                                                                                            

فالعولمة تستهدف قيم الأصالة والانتماء ، والعمل علي تذويب الهوية العربية الإسلامية وصهرها بالهوية الغربية ، كما صارت العولمة تتضمن محاولة تعميم نموذج مغاير لمفهوم المواطنة ولمعاني الإحساس به ، والحد من حرية الدول في اتباع سياسات وطنية مستقلة ، وقد عبر " رفيق حبيب " عن هذه الظاهرة بقوله" إن النخب الحاكمة الآن من رجال أعمال ومثقفين وخبراء ورجال بنوك وغيرهم لا تلتحم مع الدولة بل تنافسها وتشاركها" (70)، ومن شأن العولمة الثقافية التأثير في الهوية الثقافية للمجتمع ، ودعم الإحساس بالدونية والتبعية وضعف الولاء والانتماء 0

         كما صارت اللغة العربية تتعرض للتهميش ؛ نظرا لطغيان اللغة الإنجليزية  وخاصة الإنجليزية الأمريكية ، حيث " تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية تكنولوجيا المعومات والاتصال ، فحوالي 65% من مجموع الاتصالات المعالجة إليكترونيا تخرج منها ، وتحكمه اللغة التي تتحدث بها ، فقد أصبحت اللغة الإنجليزية هي لغة الاتصالات العالمية الآن ، وأصبح تعلمها ضرورة لمواكبة العصر " (71) ، الأمر الذي أدي إلي إهمال اللغة العربية من الشباب وعدم إتقانها ، والتركيز علي الإنجليزية ، مما أدي إلي ضعف قيم الولاء والانتماء لدي الشباب ، وعدم تمسكهم بهويتهم الثقافية العربية والإسلامية .                                                                
      وقد تنبهت منظمة اليونسكو لخطر العولمة الثقافية ، فعقدت عدة مؤتمرات منذ  بداية القرن 21 لمواجهة هذا الخطر ، ونتج عن هذه المؤتمرات الدولية إعداد اتفاقيتين دوليتين هما :
أولاً : اتفاقية حماية وتدعيم تعددية التعبيرات الثقافية : وتضمنت هذه الاتفاقية مجموعة من المبادئ ، منها " أن الثقافة تتخذ أشكالا متنوعة عبر الزمان والمكان ، ويتجلى هذا التنوع في أصالة وتعدد الهويات المميزة للمجموعات والمجتمعات التي تتألف منها الإنسانية  ، ولابد في مجتمعاتنا التي تتزايد تنوعاً يوماً بعد يوم من ضمان التفاعل المنسجم ، والرغبة في العيش معاً فيما بين أفراد ومجموعات ذوي هويات ثقافية متعددة ومتنوعة ودينامية 00 إن الدفاع عن التنوع الثقافي واجب أخلاقي لا ينفصل عن احترام كرامة الإنسان ، فهو يفترض الالتزام باحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية ، وخاصة حقوق الشعوب الأصلية " (72)

ثانياً : اتفاقية حماية التراث الثقافي غير المادي : وسعت هذه الاتفاقية إلى تحقيق مجموعة من الأهداف ، منها : (73)
• صون التراث الثقافي غير المادي 0
• احترام التراث الثقافي غير المادي للجماعات والمجموعات المعنية ، وللأفراد المعنيين 0
• التوعية على الصعيد المحلي والوطني والدولي بأهمية التراث الثقافي غير المادي ، وأهمية التقدير المتبادل لهذا التراث 0
• التعاون الدولي والمساعدة الدولية 0
كما عقد اليونسكو مؤتمرا دوليا هاما في شهر مايو 2007 في باريس ، دعت إليه جميع دول العالم ، وخاصة وزراء الثقافة فيها ، والمسئولون عن الهيئات والمنظمات الثقافية والمجتمع المدني ، وكذلك الهيئات الدينية لإقرار بنود هاتين الاتفاقيتين الهامتين ، ولتوقيع الدول علي هاتين الاتفاقيتين لمواجهة خطر العولمة الثقافية .  (74)  
        وقد اعتمدت فرنسا قانونا يحظر استخدام اللغة الإنجليزية في وسائل الإعلام الفرنسية وفي شتي المجالات ، كما اعتمدت منهجا عاما في محافل  الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لمواجهة العولمة الثقافية والحفاظ علي التعددية الثقافية، حيث أصرت فرنسا علي قيام الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بترجمة الوثائق والمستندات الصادرة باللغة الإنجليزية إلي اللغة الفرنسية ، واللغات الرسمية الأخري للأمم المتحدة .(75)  ،  والعكس هو الذي فعلته وتفعله الدول العربية ، فهي تركز جل اهتمامها علي تعلم وإتقان اللغة الإنجليزية فقط بشتى الطرق ، وعدم الاهتمام بتعليم الأبناء اللغة العربية التي هي أحد مقومات الهوية الثقافية ، فكيف يمكن لنا أن نحافظ علي خصوصيتنا الثقافية ؟  ، إن إهمال اللغة الأم يجعلنا نفكر بعقول غيرنا ، ونتكلم بغير لساننا ، الأمر الذي يفقدنا هويتنا  الثقافية العربية ، ويؤكد تبعتينا وانهزامنا وضعف انتمائنا.  
رابعاً : مظاهر أزمة الهوية الثقافية في المجتمع العربي
   إن الأزمة التي تعانيها الهوية الثقافية العربية تظهر من خلال مجموعة من المظاهر ، والتي منها :  
1- عجز الثقافة العربية الراهنة عن التكيف الإيجابي الخلاق مع المتغيرات العالمية والإقليمية والمحلية ، وهي أزمة كشفت عن جمود المجتمعات العربية المعاصرة ، وعجز قياداتها عن الإبداع ، بل وفشلها في إتاحة الفرصة للتنوع الفكري والإبداعات الثقافية .(76)      
2- ما تمر به الهوية الثقافية من قسر وقهر وإجبار تروج له قوي العولمة ، وتقوده الولايات المتحدة الأمريكية ، من حيث محاولة جعل اللغة الإنجليزية هي اللغة المشتركة للعالم   ؛ومحاولة فرض معايير مشتركة واحدة ، وغالبا ستكون ما يرتضيه الأمريكيون .(77)
3- ما نراه من ابتعاد شبابنا- شيئا فشيئا - عن هويتهم الثقافية العربية والإسلامية عن جهل ودون إدراك بخطورة ما يفعلون في حق أنفسهم بتكالبهم علي تعلم اللغة الإنجليزية وجعلها هي لغتهم الأساسية ، بل والتفاخر والاهتمام بإتقانها أكثر من اهتمامهم بلغتهم العربية  ، وارتداء الجينز والكاسكيت الأمريكي ، والتهافت علي ماكدونالدز، وموسيقي الجاز ، وعلي المسلسلات والأفلام التي تنشر أفكارا وأخلاقيات ومفاهيم بعيدة كل البعد عن معتقداتنا وتقاليدنا ، ولا يدرك أولادنا أن ما يفعلونه هو الخطوات الأولي نحو العولمة الثقافية .  (78)  
4- ومن أكبر مظاهر أزمة الهوية الثقافية ، انبهار كثير من التربويين بالنتاج التربوي للغرب ، وتطبيقه علي الواقع العربي رغم اختلاف البيئتين العربية والغربية  ، ومن ثم اختلاف متطلباتها ، مما جعل السمة الرئيسة للفكر التربوي العربي بشكل عام هي الاستغراب ، حيث لا يكاد يوجد فكر تربوي عربي إسلامي أصيل ، بل هناك نظريات تربوية غربية غرست في أغلب البيئات العربية ، مما ساهم في جعل الهوية الثقافية العربية غير واضحة المعالم .(79)  
5- تظهر أزمة الهوية الثقافية بوضوح من خلال سيطرة النظام السمعي البصري للعولمة الثقافية ، والمتمثل في عشرات الإمبراطوريات الإعلامية التي تبث ملايين الصور يوميا ، فيستقبلها مئات الملايين من المثقفين في سائر أنحاء المعمورة ، ويستهلكونها بوصفها المادة الثقافية الأساسية التي يجري تسويقها علي نطاق واسع ، وهذا المعروض ليس مجرد صورة فقط أو تقنية فقط ، بل هو كيفية جديدة لوعي العالم ، فهذا النظام الثقافي الجديد ليس مجرد وسيلة ، بل هو أكثر من ذلك ، فهو طريقة معينة لإدراك العالم والتعبير عنه ، ومصدرا جديدا لإنتاج القيم والرموز وصناعة الوجدان والذوق ، وتشكيل الوعي (80) ،  الأمر الذي جعل الشباب في حيرة من أمرهم ويعيشون أزمة فكرية يعبرون عنها من خلال العديد من سلوكياتهم ، إما في شكل انسحاب واغتراب عن العالم ، وإما في حالة عنف وتهديد لمجتمعهم ، والأمران يمثلان أكبر مصدر للخطورة علي شبابنا 0                                                                                
دور التربية في الحفاظ علي الهوية الثقافية في المجتمع العربي  :
في ضوء ما تم عرضه ، وما وصلت إليه الدراسة من وجود أزمة تواجهها الهوية الثقافية العربية فإن الأمر يتطلب ضرورة العمل علي التوصل إلي حل لهذه المشكلة ، وهذا الحل سيعتمد بصورة رئيسة علي ما ستقوم به التربية من دور فاعل إزاء ذلك ، وهذا ما يؤكده التاريخ من أهمية دور التربية ، فهي السبيل الأساسي الذي يمكن أن تأخذ به المجتمعات من أجل حماية هويتهم الثقافية والتأكيد عليها ، لأن " قيمة الإنسان هي حصاد معارفه ، وحضارة المجتمع هي المحصلة الجامعة لمعارف أبنائه التي وهبتها إياهم التربية"(81)، وحتى تصبح التربية قادرة علي تحمل  مسئولية تأكيد هويتنا الثقافية لابد أن يسهم مفكرونا وعلماؤنا التربويون في رسم استراتيجية  علمية تؤهلها ؛ للصمود أمام هذه الهجمات الوافدة ، و تقديم هذه الثقافة بهويتها العربية والإسلامية إلي شعوب العالم كحضارة رائدة 0
وإذا كان تعزيز الهوية الثقافية هو مهمة مؤسسات وقطاعات متعددة ، فإن هناك قطاعات بعينها لها دور أكبر ، وفي مقدمة هذه القطاعات قطاع التعليم ، الذي يمكنه القيام بدور كبير في مجال تعزيز الهوية الثقافية ، حيث إن التعليم منوط به تربية النشء ، وغرس القيم في عقولهم وقلوبهم منذ سنوات أعمارهم الأولي ، فالتعليم يقوم بدور كبير في مجال دعم قيم الولاء والانتماء ، والتأكيد علي الثوابت القومية ، وبالتالي له دوره الكبير في مجال تعزيز الهوية الثقافية وترسيخ ثوابتها ودعائمها الأساسية 0
     إذن سيعتمد هذا الحل علي استراتيجية تربوية ، وهذه الاستراتيجية                                                                  تعتمد علي مبدأين أساسيين هما :
-أن تسعي التربية إلي تأكيد الهوية العربية الإسلامية بثوابتها ومكوناتها وأبعادها المختلفة وتحصينها ضد محاولات السيطرة والهيمنة .  
- أن تؤكد التربية علي تعزيز التفاعل الإيجابي مع معطيات الثقافات الأخري ، بحيث يقوم هذا التفاعل علي الندية والتأثير المتبادل ، والإفادة من عناصر التميز في ثقافة الآخر دون انبهار أو ذوبان . (82)                                                                  
    وستشمل هذه الاستراتيجية مجموعة من الخطوات ، وكل خطوة سيكون لها مجموعة من الإجراءات والآليات ، وهي :

أ- تعزيز البناء القيمي والأخلاقي للفرد
يعد بناء الفرد قيميا وأخلاقيا من أهم الغايات التي لابد أن تسعي التربية إلي تحقيقها ، فالتاريخ يؤكد أن استنهاض الشعور الديني هو الطريق الرئيس للأمة ؛ حتى يمكنها المشاركة في المشهد الحضاري العالمي المعاصر .                                                                                                                                                                                                                              
ويري " سعيد إسماعيل علي " أن " صياغة الشخصية السوية لابد أن يستند إلي أساس ديني وعقائدي ، من أجل بناء ذاتية تصغي إلي أوامر بارئها وتطبع أحكامه " (83) ،                                         إذن فتربية الشخصية الإنسانية علي أساس ديني وأخلاقي تظهر ملامح الهوية الثقافية 0

        وبذلك يصبح دور التربية بمؤسساتها المختلفة هاما في تنشئة الإنسان العابد بالمفهوم الواسع والشامل للعبودية ، لأن العبادة هي تجربة حياة كاملة يتوازن فيها الأخذ والعطاء ، فالتربية حين تنجح في بناء الإنسان العابد ، حينئذ يكون هذا الإنسان هو القوة الفاعلة في دعم هويتنا الثقافية ، وبناء مجتمع الحرية والعدل والكرامة الإنسانية(84) 0
وتقوم هذه المؤسسات بدورها من خلال تهيئة المناخ التربوي المناسب ، والتأكيد علي هذه القيم ، بحيث تترجم عمليا في سلوكيات الناشئة ، وتصير ضمن نسيج شخصياتهم ، وقدرة هذه المؤسسات علي التعامل مع متغيرات العصر بإيجابية ووعي وعقلانية ، وهذا هو ما أشار إليه " عبد العليم مرسي " حين ذكر أن وظيفة القيم تتمثل في كونها " تساعد المجتمع بأفراده وجماعاته علي التمسك بمبادئه الثابتة والمستقرة ،وتساعده علي مواجهة المتغيرات ، وتعمل علي إعطاء النظم الاجتماعية أساسا عقليا يصبح عقيدة في ذهن أعضاء المجتمع المنتمين إليه ،وتقي المجتمع من الأنانية المفرطة ، ومن النزعات والشهوات الطائشة ، وتزوده بالصيغة التي يتعامل بها مع العالم ، وتحدد له أهداف ومبررات وجوده ، ومن ثم يسلك في ضوئها ، كما أنها تعمل علي إصلاح الفرد نفسيا وخلقيا ، وضبط شهواته ومطامعه، كي لا تتغلب علي عقله ووجدانه " (85)0

ويمكن تعزيز البناء القيمي والأخلاقي  من خلال مجموعة من الإجراءات والآليات والتي منها :                                                                                      
- التنشئة الدينية الصحيحة ، وترسيخ التصور الإيماني للكون والحياة والإنسان 0                                                                                  - الاهتمام بالجوانب الروحية في تكوين الإنسان ، خاصة في ظل العصر الذي تحكمه المادية بشكل كبير 0                                                  
- اهتمام المناهج الدراسية وأنشطتها اليومية داخل الصف بتأصيل القيم الإسلامية 0(86)                                                                           - إسهام الأسرة بدور هام في التأكيد علي القيم الداعمة للهوية الثقافية ومواجهة التداعيات السلبية للعولمة علي أبنائهم .                                                                                                                                                                              
– تحقيق الانسجام النفسي ؛ للارتقاء بالنفس إلي الطمأنينة ؛ لتجنب الباطل والابتعاد عن الوقوع في الأخطاء ؛ التي قد يقع فيها المسلم من خلال الثقافات الوافدة 0                                                                                                                                
- الاهتمام بالتربية الخلقية للمعلمين والإداريين ، لأنهم يعدون قدوة أمام الطلاب 0                                                                                                         - بناء الشخصية المؤمنة التي تخلص الناس من الضلال في العقيدة والفساد في السلوك والأخلاق ، ودعوتهم لأن يكونوا عابدين لله وحده0                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      
إيجاد بعض المقررات التي يدرسها الطلاب ؛ لتدعيم القيم والأخلاقيات وتعزيزها  ، ويكون لها دور في التأكيد علي الانتماء لدي الطلاب ، بحيث تكون نابعة من القيم الأصيلة المرتبطة بعقيدتهم الراسخة وثقافتهم الوطنية  0                                                                        
- اشتمال المقررات الدراسية علي قيم بعينها مثل الديمقراطية ، والالتزام بالقوانين ، والتضحية في سبيل الوطن 0                  
محمد مفتاحي
محمد مفتاحي
Admin

عدد المساهمات : 38
نقاط : 877
تاريخ التسجيل : 04/11/2011
العمر : 27
الموقع : https://7olm-roo7.7olm.org

https://7olm-roo7.7olm.org

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى